الثلاثاء، 10 يوليو 2012

صندوق الأطباق المكسورة !


أيقظها ذلك الـ " وجع " .. فأحست بالخوف ! .. و لكن شئ ما آخر شعرت به بقوة جعلها تتصل بجارتها كي تكون بجانبها في تلك الليلة ! .. صار البيت كفضاء موحش بعد وفاة الأب و الأم و زواج الأشقاء ! .. لم يبق سواها و خطواتها المنتفضة بين الأركان ، علّها تحافظ على بقايا دفء و حياة لا تزال موجودة ! .. صوت الراديو تحتفظ به عالياً ما بين إذاعة الأغاني و إذاعة القرآن الكريم ! .. جميع الحجرات مضاءة و جميع النوافذ مغلقة عدا نافذة حجرتها المطلة على الشارع الرئيسي .. حيث نفير السيارات و نداءات الباعة و صياح العائدين !


عندما وصلت جارتها ، قالت لها في رجاء أن تقضي معها تلك الليلة ، لكنها أخبرتها أنها لا تستطيع بسبب " البيت و الأولاد " .. و لكن باستطاعتها هي أن تأتي معها لتبيت في منزلها حتى تجد من يرعاها .. الغريب أنها رفضت ! .. بالرغم من الألم و الخوف .. رفضت ! .. و كل ما طلبته منها هو أن تأتيها بكوب حليب بارد ! .. حاولت جارتها أن تقنعها بأنها قد تكون على مشارف " الانفلونزا " ، و أنه لا ينبغي لها أن تشرب سوى كل ما هو " ساخن " .. لكنها خضعت أمام إصرارها لتحضر لها " كوب الحليب البارد " ثم تستأذنها لتنصرف ، و هي تحمل نسخة من مفاتيح البيت كي تأتي للاطمئنان عليها في الصباح !


عندما عاد الصمت يخيّم من حولها مجدداً ، سمعت صوت أمها و هي تقول في لطف .. " دا عيا سياسي " ! .. أجل ، تذكرت تلك الجملة و لأنها محقة فقد سمعتها بأذنيها بالضبط كما كانت تحدثها أمها في الماضي ! .. فاليوم و بعد انتهاء العمل ، اتجه نحوها بخطوات حيوية كأنه يقفز فرحاً ، و بملامح تنطق بالنشوة و السعادة ليخبرها بأنه تقدم بالأمس لخطبة جارته و أن زفافهما سيكون في خلال أشهر قليلة ! .. يا لها من سخرية ! .. حب صامت آخر لم يُقدر له أن يكتمل ، و كل ما تجنيه .. مرارة السقوط من أعلى سماء كانت تربت على قلبها و تمنحها الأمل !


بالرغم من ألم تلك الصورة إلا أن النوم راح يتسلل إلى جفنيها و عقلها .. لتشعر بعدها بشئ غريب ! .. أنفها يستنشق أنفاس أمها العطرة كأنها تجلس بجوارها .. تمسح بكفها على جبينها في سلام ! .. أذنها تسمع همساتها كأنها تتلو ما تحفظه من آيات قصيرة حتى تخلد للنوم ! .. النوم ! .. إنه يسيطر على كل ما فيها بهدوء .. بعمق و بحنان أيضاً ! .. و لكن قبل أن تغلق عينيها لمحت وجهها و هي تنظر إليها في احتواء شديد .. كأنها تضمها من دون ذراعين بقوة إلى صدرها ، بين ضلوعها ، داخل قلبها .. حتى لا يكون هناك خوف أو ألم بعد الآن !


استيقظت في الصباح على أصوات الشارع .. كأن شيئاً لم يكن ! .. كأنها حتى لا تذكر ماذا حلّ بها بالأمس ! .. وقعت عيناها على مائدة الطعام .. لقد نسيت أن تغسل الأطباق بعدما انتهت من تناول الغداء بالأمس ! .. مائدة الطعام تشبهها إلى حد كبير ! .. تبدو وحيدة ، و خلف صمتها تصرخ اشتياقاً إلى أصوات الملاعق و نكهات الأصناف و الضجة قبل " لمّة الغداء " ! .. الآن لم يبق هناك سوى كرسيها .. و كرسي آخر قبالته ! .. كرسي فارغ كذلك الطبق الفارغ الموضوع أمامه فوق المائدة ! 


أمسكت بالطبق الذي كانت ترى فيه " صورة الأمس " .. لتتركه يهوى على الأرض و تتناثر جزيئاته في لحظة ! .. لملمت ذلك الحطام الصغير و وضعته في صندوق يحمل نفس الحطام لأطباق أخرى ! .. حينها انتبهت لدخول جارتها والتي بمجرد أن رأتها سألتها في لهفة عن حالها اليوم .. لتنظر إلى الصندوق ثم تمتص شهيقاً طويلاً حاصر كل ما بها من أوجاع ما لبثت أن طردتها في زفرة حارة ، خافتة و سريعة .. لتقول لها بابتسامة رضا .. " الحمد لله .. أحسن " !

هناك 3 تعليقات:

  1. الحمد لله احسن

    جميله يا نهى لكن مؤلمة اوى

    الوحده منبع الخوف والألم حتى وان كان فى الإجتماع مالا نرغبه تماما

    الجرح أرحم من الفراق هكذا يقولون


    دمت بخير

    ردحذف
    الردود
    1. منوراني يا رؤى .. و عندك حق على فكرة .. غصب عن أي حد فهو من جواه بيبقى محتاج لـ * حد تاني يكمله * أو يحسسه بـ * الكمال الممكن إللي بيقولوا عليه * .. إن شالله حتى يناكف فيه .. المهم مابيبقاش لوحده .. :)

      حذف
  2. مؤثرة وجميلة جدااااااااا

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.