لم يكن يوم ميلاده ، و لا ذكرى وفاته ، و لا حتى عيد زواجهما .. و لكنها راحت تتحدث عنه من دون سبب خاص أو عذر منطقي ! .. كنت أعلم أن تلك ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها عنه ، كيقيني بأنها لن تكون الأخيرة أيضاً .. لكنني رحت أستمع إليها في صمت ، و أنا أحاول قدر الإمكان أن أبدي اهتمامي بالحديث .. رغم كونه ممل و بطئ ! .. لم أكن منتبهة تماماً لما كانت تقوله ، لذلك حاولت إيقاظ نفسي فسألتها .. " كنتي بتحبيه ؟! " ..
ضحكت ! .. أكاد أجزم أنها ضحكت من فرط الخجل ! .. لكن الإجابة كانت مختلفة تماماً عندما أخبرتني بأنه لم يكن حباً .. و لا حتى تعوّد أو " عِشرة " ! .. طلبت منها أن تشرح أكثر ، لكنها قالت لي إنها عاجزة عن التفسير .. و مع ذلك ستحاول ! .. عصرهما لم يكن يعترف بالحب .. لا قبل الزواج و لا حتى بعده ! .. كان الجميع يخجل من ذكر اسمه و يعتبر ذلك عيباً كبيراً ! .. لذلك لم يكن غريباً أن تعتبر " الحب " في ذاته مخلوقاً أسطورياً .. لا وجود له في هذا العالم ! .. وحدها " الرغبة " هي التي كانت تحافظ على بقاء قلوبهم دافئة و لو للحظات قصيرة !
صمتت لدقائق لم أجرؤ فيها على أن أحثها على الحديث مرة أخرى .. لكنها عادت تكمل أنها - بالرغم من كل شئ - كانت تحاول أن تجعل منه رجل تحبه .. كانت تحاول أن تجعل منه أسطورة ! .. لذلك لم تكن حياتهما معاً مثالية ! .. ربما لأن كل منهما كان يسعى إلى تلك " المثالية " من وجهة نظره و بطريقته الخاصة ! .. هي تحاول البحث عن الحب ، و هو يحاول البحث عن الحرية ! .. أخبرها يوماً أنه لا يصلح لمؤسسة الزواج برمتها ، و لكن كان لابد له من الزواج كي يرضي من حوله .. ليس إلا ! .. كان لابد له من الزواج لأنه أمر لابد منه ! .. حتى أنه قال لها يوماً إنه يشعر أحياناً أن لا فرق بينه و بين " البهائم " !
اعترفت أنها كانت تحس أحياناً أن تكوينه يشبه الطيور .. لا البشر ! .. و لكن حتى الطيور " تتزوج " ، لكنه زواج يبقيها حرة ! .. تذكر أنه في إحدى الأيام أخبرها بأنه ذاهب لإحضار خبز للعشاء .. ليغيب بعدها أسبوع كامل ! .. الغريب أنها لم تخبر أحداً باختفائه بل كانت أيضاً تختلق أعذار عدم وجوده لمن كان يسأل عنه ، بالرغم من قلقها الذي كان يميتها في اليوم مائة مرة ! .. عندما عاد للبيت أخبرها ببساطة بأنه التقى ببعض أصدقائه و قرروا فجأة أن يسافروا إلى " مطروح " ! .. شيئاً فشيئاً اكتشفت أنه بالفعل أسطورة .. و إن لم تكن تلك الأسطورة ترضيها ! .. في أوقات شجارهما كانت تقول له إنه لم يعد في العالم ما يستحق الاكتشاف أو السفر و العناء من أجل الوصول إليه لتنعته بعدها بـ " ابن بطوطة " ! .. عندما كان يسمع ذلك كان يتجه نحوها ضاحكاً ليمنحها قبلة طويلة .. ثم يختفي كعادته !
أخبرتني بأنه في سنواته الأخيرة ألم به مرض أقعده .. لكنه لم يمت بسببه و إنما مات حزناً و كمداً ! .. كان يقول لها إنه لم يتوقع أبداً أنه سيموت على الفراش بعد كل هذا الترحال و هذه الأسفار ! .. لكنه أخبرها بشئ عجيب ! .. شئ لم تقدر على نسيانه - بالرغم من طعونها في السن - ربما لأنها لم تقدر على استيعابه حتى بعد مرور كل هذه السنوات ! .. أخبرها أنها كانت معه في كل رحلة و أنه لم يشعر أنه فارقها و لو للحظة ! .. حتى بعدما أقعده المرض ، يكفيه النظر في عينيها .. ليبدأ رحلة جديدة !
أخبرها أنها كانت معه في كل رحلة و أنه لم يشعر أنه فارقها و لو للحظة ! .. حتى بعدما أقعده المرض ، يكفيه النظر في عينيها .. ليبدأ رحلة جديدة !
ردحذف..
هذا هو ما يفسر كل شئ،الحب و العشق الذي نمارسه ولا ننطق به أو نجد له اسم !!
...
جميلة جدا القصة نهى..سعدت و استمتعت بوجودي هنا..تحياتي
تسلم يا أحمد .. إبقى تعالى كل يوم إنت بس .. :))
حذفرااائعة
ردحذفعندك قدرة على تشريح اللحظات الإنسانية بقلم أديب مع مرتبة مشرط جراح
أحسنتِ
كل ده ! .. طب الحمد لله أهي محاولات يا ضيا و كويس إنها نفعت .. :D
حذف