الجمعة، 29 يونيو 2012

مواجهة ..


وقف أمامها بثبات و بنظرات صلبة لا تنم عن أي شئ .. حتى الحياة ! .. لم يكن تمثالاً بل كان جبلاً شاهقاً تكسو قمته الجليد ! .. ملامحه قد نُحِتت كما الصخور ! ، لذلك فهي تكره النظر إليه ليس خوفاً أو اشمئزازاً .. و لكنها ترى فيه خطوط الزمن القوية ! .. الماضي و الحاضر .. بل أحياناً تتنبأ بالمستقبل كلما تأملت وجهه ! .. كل ذلك جعلها أمامه دائمة الحركة ، و كأنها عصفور داخل قفص يشتاق للحرية ! .. تقف حيناً و تجلس حيناً ! .. تقضم أظافرها تارة و تدق بأصابعها تارة أخرى فوق حافة الكرسي ! .. تحاول كتمان ما بها من صرخات ، و لكن ماذا سيحدث إن صرخت فيه بالفعل ؟! .. لن تخسر شيئاً ، بل ربما تشعر بعدها بالراحة الغائبة !


و لأنها أهّلت نفسها على كل شئ و أي شئ و هي معه ، فقد وجدت الابتسامة و قد أخذت ترتسم فوق شفتيه حتى أصبحت جزءاً من وجهه ! .. جزء غريب ! .. حينئذ لم تقو على التحمل أو الصبر فصاحت في غضب :


_ أتجرؤ بعدما فعلته على الضحك ؟!


يجيبها في هدوء :
_ أنا لا أضحك .. أنا أبتسم فقط !
_ و هل أنت راض عما فعلته كي تبتسم ؟!
_ و ماذا فعلت إذن ؟!
_ قل .. ماذا لم تفعل بعد ؟! .. هل تظن أنه بابتسامتك هذه تحاول إصلاح ما فعلت أو حتى مواساتي ؟!
_ لم أفعل ما يستدعي الإصلاح ، ثم إني لا أواسي أحد !


في جنون صرخت :
_ إذن فلِم تبتسم ؟!
_ لأنكِ لا تعلمين شيئاً ، بل لا تريدين ذلك أيضاً !
_ أريد ماذا ؟!
_ أن تعلمي ..
_ هناك حقيقة واحدة فقط هي التي أعلمها .. أنني أكرهك !


بالابتسامة نفسها يقول :
_ أعلم ذلك ..


بصرختها القوية :
_ إذن فلترحل !
_ غير ممكن ..
_ لِم ؟
_ أنت تعلمين جيداً أنني جزء منك ، ولِدت معكِ و سأموت معكِ أيضاً .. تعلمين أنكِ لا تستطيعين محاربتي أو التخلص مني .. أعلم أنني بالنسبة لك كالمرض المزمن ، و لكن لكي يستطيع المرء أن يعيش لابد أن يصادق مرضه و أنت ترفضين تلك الفكرة !


قالت في نبرة رجاء :
_ أنت لا ترحم !
_ هذا في خيالك فقط ! .. كيف لا أرحمكِ و أنا جزء منكِ ؟! .. لا ترددي تلك الفكرة بينك و بين نفسك كثيراً ..
_ أكرهك ..
_ لا تكوني سطحية .. فالأعماق في صالحك !
_ هل تعطيني المخدر كعادتك ؟!
_ ليس مخدر إنها الحقيقة ! .. تعلمي الصبر و من الصبر ستتعلمين و تعلمين أشياء كثير كانت عصية على الفهم في يوم من الأيام .. أشياء كانت مختفية في الأعماق !


راحت توجه له نظرات مختلفة ما بين رجاء و غضب ، لكنه أخذ يقترب منها أكثر و هو يقول :
_ أنتِ الآن لازلتِ طفلة ، لا تعلمين أشياء كثيرة و ربما لا تعلمين شيئاً على الإطلاق ، و لكني أود أن أخبرك بشئ أنتِ تعلمينه و ترفضين تصديقه .. إنني لا أكرهكِ ..


وجدت نفسها فجأة بين ذراعيه ! .. يحكم قبضته عليها أكثر فتشعر بالاختناق و ترى أمامها النهاية من بعيد ! .. ربما لازالت تشعر بشئ من الكراهية نحوه ! .. ربما لازالت مستسلمة أو سطحية كما يقول ! .. ربما لازالت طفلة !

هناك 10 تعليقات:

  1. كل مرة بقرألك فيها بتأكديلي رأيي اللي قلته قبل كدة بإنك موهوبة جدا واتولدتي علشان تكوني كاتبة قصصية

    ملاحظة صغيرة لو تسمحي.. ياريت تكثفي السرد والوصف على حساب الحوار.. المفروض القصة القصيرة مايكونش فيها حوار ولو اتنوجد يبقى في أضيق حدود

    ربنا يوفقك

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يكرمك يا ضياء .. :)

      و عن السرد و الوصف دي تعتبر يعني أول واحدة أكتبها و يكون فيها حوار .. جت كدة يعني مكنتش مقصودة .. يمكن كمان الحوار إللي فيها موضحها شوية بدل ما تبقى غامضة زيادة عن اللزوم .. ألف شكر بجد ع الملاحظة .. ^^

      حذف
  2. القصة جميلة وتحتمل أكثر من وجهة نظر وأكتر من رؤية للفهم
    ربما هى تتحدث مع شخص ربما مع نفسها ربما مع الزمن او ربما مع قيمة رمزية اخرى ولكن اى كان الطرف الاخر فهناك رسالة واحدة نحن جميعا أطفال فى هذه الحياة نحن نولد ونموت ونجهل أشياء كثيرة دوما نهرب من الحقيقة ولا نريد الاعتراف بها ونكره دوما من يواجهنا بما نهرب منه
    كتاباتك جميلة حقا واتمنى المداومة على متابعتها
    لك تحياتى
    واتمنى ان تشرفينى فى مدونتى
    http://hekayat-roody.blogspot.com/2012_06_01_archive.html
    رضوى

    ردحذف
    الردود
    1. الله ينور عليكي .. الطرف الآخر * حر * أي حد يشوفه زي ما هو عايز .. إن شاء الله هتعجبك الحاجات إللي هنا إبقي تعالي كل يوم .. :D

      و من عونيا جاري القراءة .. :)

      حذف
  3. و ستظل تكرهه و تدمن أحضانه
    اعشق الرمز لذا اعجبتني قصتك
    دمتِ مبدعة

    ردحذف
  4. جميلة جــدا , وإحساسها رائع :)

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.