الجمعة، 1 يونيو 2012

أصحاب الحجرات !


أخبروه بأنه أصبح وحيداً .. و صدقهم ! ، فبالأمس لم يجد من يلهو معه كما تعوّد على ذلك ! .. لم يجد من يشاركه ذلك الحديث المغلف بالخوف القاتل ! .. صحيح أن الوحدة أيضاً أمر مخيف حد الموت ، لكنه لا يريد أن يواجه ذلك بمفرده ! .. إنه يرغب في أن يحس بأنفاسهم و هو بينهم رغم أنهم مثله ! .. لا يملكون شيئاً سوى الخوف و الانتظار ! .. أخبروه بأنه أصبح وحيداً .. و صدقهم ! ، لكن ذلك لم يمنعه من البحث عن أصدقائه ! .. كأن فطرته الطفولية هي من كانت تقوده و تحركه !


ما بين بحث و انتظار ، ما بين أمنية و حلم .. كان هو ! .. راح يسأل والده " ببساطة " عنهم و عن اختفائهم و عن أماكنهم و عن موعد رجوعهم .. لكنه لم يجبه على هذا كله ! .. أخذه من يده و سار في الطرقات ليلاً ! .. كل شئ من حوله كان مظلماً خالياً من أشباح ضوء باهتة رغم " الكشّاف " الذي كان يحمله الأب و الذي رفض أن يضيئه طيلة سيرهما ! .. بدا له أبوه يعرف الطريق بقدميه ! ، و عندما سأله ثانيةً أن يضيء الكشّاف أخبره في اقتضاب أن النور في هذه الأوقات يضلل .. النور يقتل !


بدا له أن هذا السير لن ينتهي أبداً حتى أحس أنه داخل مكان مغلق كأنه بيت أو أصغر من ذلك .. كأنها حجرة ! .. هنا أضاء أبوه الكشّاف ليبدو لون الدماء المتناثرة – والتي أحاطت به من كل جانب – في عينيه لأول مرة ! .. اشتعلت رائحة الدم الغامضة كأن الضوء قد أيقظها ! .. انتظر أن يسمع من أبيه شيئاً ، أي شئ .. لكنه سرعان ما استطاع فهم كل شئ ! .. الدماء استيقظت رائحتها و أيقظت عقله الصغير معها ! .. لم يفارقهم و لم يفارقونه يوماً ، فكيف يرحلون من دونه و لماذا تركوه وحيداً إذن ؟! .. لقد بدأ يسمع مؤخراً عن " الموت "  و ها هو قد رأى ما خلّفه ، لكنه لا يزال لا يدرك شيئاً عن مواجهته ! .. لا يدرك شيئاً عن الألم !


عند عودته ظن أنه لن يستطيع النوم بسبب ما شاهده و ما صار يدور في عقله رغماً عنه ، لكن النعاس تسلل إلى جفنيه بنعومة ! .. أحس بنور الشمس الدافئة يداعب وجهه فابتسم بتلقائية و تمنى – كما اعتاد أن يفعل كل صباح – أن يجدهم ! .. غادر غرفته فوقعت عينه على أبيه و هو يهم بالخروج و عندما سأله عن وجهته لم يجبه أيضاً ! .. أمسك بيده و سارا معاً في الطريق لدقائق قليلة ثم دخلا إحدى البنايات ! .. فتح أبوه باب إحدى الحجرات ثم أشار له بالدخول !


تسلل في ترقب ليجد الحجرة مزدحمةً بنقاط بيضاء كثيرة ! .. راح يعدو فوق أجسادهم و بدا في عيني والده كأنه جُن تماماً و يحاول الإمساك بشئ ما غير موجود أصلاً ! .. لم يكن يعلم أن دخول صغيره أيقظ أصدقائه الذين دعوه للّعب معهم ! .. كانوا يحاولون الإمساك به و كان يحاول الإمساك بأحدهم .. لكن شئ ما صار مختلفاً ! .. شئ مروا به و لم يكن بوسعهم إدراكه جيداً أو أنهم لم يُمنحوا الوقت لذلك ! .. شئ استطاع فهم بعضه و منعته دموع والده التي لا تتوقف من أن يسأل ! .. لم يعد بوسعه سوى تمني حدوث تلك المعجزة – في نظره – كي يصبح مثل أصدقائه ! .. كي لا يحس أنه صار مختلفاً .. غريباً ! .. كي لا يحس بالفعل أنه صار وحيداً حتى و إن صدقهم ! .. علّه يستطيع الإمساك بأحدهم ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.