الثلاثاء، 26 يونيو 2012

حدث بالفعل !


ربما لم تصدقه أمه .. أو ربما قد صدقته بالفعل لكنها لا تستطيع كتم دهشتها و ضحكاتها أيضاً ! .. سألته إذا كان " نوم القيلولة " يؤثر إلى هذا الحد في قرارات المرء عموماً .. و في قراراته هو على وجه الخصوص ؟! .. لكنه صمت ، خوفاً من أن تزيد سخريتها .. إذ كيف يخبرها أنه قرر الزواج فجأة .. و السبب في ذلك " طفل رضيع " ؟!


منذ عدة ساعات عاد من عمله بعد يوم مزدحم بالمهام .. كان طوال الطريق لا يتخيل سوى شيئين فقط .. حجرته و سريره ! .. و لكن ما إن دخل المنزل ليجد جارته و طفلتها - التي لا يتعدى عمرها شهور معدودات - حتى أصابه الإحباط ! .. إنها في الغالب ضيفة ثقيلة ، ثرثارة ، كل ما ترغب فيه .. تمرير الدقائق و الساعات إلى أن يعود زوجها من العمل ! .. و لكن تلك الزيارة هي الأولى لها بعدما أصبحت أم !


ألقى نظرة سريعة - ذات معنى - على الرضيعة ثم دخل حجرته .. إنها المرة الأولى بالنسبة له التي سيحتك فيها بـ " رضيع " أو بالأحرى " رضيعها " هي بالذات ! .. قفز في ذهنه سؤال و هو يبدل ملابسه .. ترى هل تمكنت تلك الطفلة من أن ترث ثقل الدم و الثرثرة من أمها ؟! .. و لكن ما لبث أن انتهى من سؤاله حتى علا صراخ الرضيعة كأنه " صفّارة إنذار " ! .. فأغلق دولابه في انفعال واضح بعدما أيقن أن لا نوم له اليوم و لا راحة !


هم بأن يمدد جسده على سريره ، لكن أمه دخلت الحجرة في سرعة و هي تحمل الطفلة لتخبره بأن جارتهما ذهبت لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها المنزل و أنها سوف تعود بعد ساعة .. أما هي فعليها أن تعد الغداء لذا فكان عليه الاهتمام بالطفلة .. و ليس فقط تحمل صراخها ! .. ثم وضعت الطفلة في رفق على سريره لتغادر الحجرة و تغلق الباب ! .. شعر وقتها برغبة شديدة في تحطيم أي شئ أمامه كي ينفّس عن غضبه و لكن كيف يمكنه فعل ذلك و هذه الصغيرة المزعجة تبكي و الهدوء يعم الحجرة أصلاً ؟!


اقترب منها في حذر و هم بأن يحملها و لكنه توقف للحظات ! .. كأنه يرى يده للمرة الأولى ! .. تبدو ضخمة ، خشنة .. إن أمسكت بأي شئ و بالذات هذه " الرضيعة " فبالتأكيد لن تفعل شيئاً سوى التحطيم و السحق ! .. و لكن هناك أمر ما يجذبه ! .. إنها المرة الأولى في حياته التي يكون فيها مسؤولاً عن طفل أو بتعبير أدق .. المرة الأولى في حياته التي يتأمل فيها طفل !! .. يا له من مخلوق جميل .. يكمن جماله في قمة ضعفه ! 


كانت يده لا تزال قريبة منها فأحس بشئ غريب نفض عنه ذلك الشرود ! .. لقد أمسكت بإحدى أصابعه في تشبث بكفها الصغير لتتوقف بعدها عن البكاء و الصراخ ! .. كانت نظراتها متفرقة بعيدة كأنها تنظر لأشياء أخرى و لكن ما إن تشبثت بإصبعه حتى راحت تنظر إليه .. كأنها هي أيضاً تتأمله ! .. غريب أمر تلك المخلوقات ! .. ننخدع بتكوينهم الرقيق حد الضعف و لا ندرك أننا نحن الضعفاء إلا معهم !


هل جربت من قبل أن تنم بالقرب من رضيع .. أن ترقد بجواره ؟! .. هو خاض تلك التجربة ! .. خاضها في سعادة بعدما ترك روحه لتلك المخلوقة التي ترقد بجانبه ! .. كانت تضحك ، و تنظر إليه ، و تبتسم .. بل و تتحدث أيضاً !! .. حديث غامض قد يبدو للجميع مضحكاً ممتعاً .. لكن بالنسبة إليه ، كان حديثاً خاصاً مهماً إلى حد أنه راح يرهف السمع متمنياً أن يقدر على الترجمة و الفهم ! .. بدأ النعاس يتسلل إلى جفنيه شيئاً فشيئاً ، و لأن كل ما فيه مهتم لأمر تلك المخلوقة ، فكانت أذنه أشد وعياً و استقبالاً .. و أنفه أكثر قوة على الاستنشاق و الامتصاص !


راح يتذوق نغمات أنفاسها الصغيرة السريعة .. و يشتم رائحتها الغامضة المميزة ! .. كان نومه عميقاً إلى أقصى حد ! .. حتى أنه عندما أيقظته أمه ، أحس أنه أنفق سنوات عمره في فعل شئ يشبه النوم .. لا النوم نفسه ! .. عندما غادرت الجارة و معها طفلتها أخبرته أمه بأنه مشروع " جليس أطفال " لا بأس به .. لينظر لها ملياً ثم يطلقها في إصرار .. " أنا عايز أتجوز ! " ..

هناك 8 تعليقات:

  1. اسلوبك جميل وسلس

    وخلتيني احب الاطفال اكتر

    تحياتي :)

    ردحذف
    الردود
    1. القعدة معاهم بتغسل الواحد من جوة .. :)

      حذف
  2. اكتشف انه لم ينم من قبل , اكتشف انه فقط كان يموت موتا جزئيا موتا بلا أحلام
    القصة في منتهى الجمال و الابداع
    و الأطفال هم فقط من يحملوننا إلى عالم غني بعيدا عن الواقع
    تحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. بناخد معاهم " هدنة " يا مصطفى .. تحياتي ليك .. :)

      حذف
  3. مر بسبابته اليُمنى على خدها الناعم, كأنه ملمس ثمرة خوخ لتوها قُطفت ,أو لفستان مخملي لم ترتديه صاحبته بعد
    تأمل عيّنيها الشاردتين في الملكوت والتفاصيل من حولها كأنها تكتشف ما حولها وتختزنه ..... إبتسامتها ذات الغمازتين وفمها الشاغر من الأسنان , كل ذلك يذكرهُ بالملائكة



    ----

    أنا زهقت بقه من كل شوية أقول جميله وكده :)
    بس القصه دي عجبتي اكتر من قصة المؤذن والطفل

    ردحذف
    الردود
    1. و الله كفاية تعليقك .. أنا إللي مابقتش عارفة أقول إيه .. إبقى تعالى هنا كل يوم .. :D

      حذف
  4. جميلة أوووي
    أسلوبك راقي جدًا


    مُبارك تأهلك للتصفيات الأولى من كتاب المئة تدوينة

    بالتوفيق يا أنيقة :))

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.