السبت، 10 ديسمبر 2011

حياة أسر ..


لا ينادونه باسمه .. يكفي أن يصيحوا برقم الثوب و مقاسه ليختفي أحدهم للحظات ثم يعود بالمطلوب ، بينما يجلس هو في تلك الغرفة المزدحمة الصامتة بذهن شارد و أذن تلتقط الأوامر من الخارج ! .. لا يهتمون بالمخزن بقدر ما يقدره هو .. و أحياناً يكتشف أنهم يكرهون دخوله و البقاء فيه و لو للحظات ! .. الغرفة شبه مظلمة و رغم أنها الأكبر حجماً و الأكثر اتساعاً فليس بها سوى مصباح واحد لا يقدر على الاحتفاظ بضوئه صافياً تحت وطأة الأتربة ..


في أقل من أسبوع صار على علم بأركانها و ما تحتويه من صناديق و حقائب و بضائع .. لم يكن الأمر عسيراً بالنسبة له و ربما لم يكن شاقاً أيضاً ! .. في البداية كان يشعر بأهميته بينهم فالجميع يلجأ إليه .. فما من أحد غيره يعلم ما يحتويه المخزن ، و لكن التأقلم يجلب معه الملل في كثير من الأحيان ! .. بدأ يحس كأنه دفن حياً في زنزانته .. صار يشتاق إلى النور ، إلى الحياة .. أبخرة ضجيجهم في الخارج تصل إليه فتستفزه و تثير سخطه !


كان ينضج .. كان يتعلم ، فاللحظات لا تولد خبرات و إنما تلك التجارب طويلة الأمد ! .. علم أن لكل شيء ألمه حتى ذلك " الحلال " الذي يسعى إليه ! .. صحيح أنه فاز ببعض الأمان من ذلك العمل الذي يكسب منه رزقه ، و لكنه في المقابل يدفع ثمن أشياء أخرى لا يستطيع وصفها لإنه لا يدركها .. فقط يشعر بها ! .. كثيرة تلك هي الأوقات التي كان يصرخ فيها من الأسر و الوحدة و الازدراء ! .. إنها الحاجة التي تفقد المرء جزء من هويته و أكثر من ذلك بكثير .. بعدما تجبره على الخرَس !


كلا ، إنه ليس من ذلك النوع من البشر الذي يستلذ اجترار الألم و الوحدة .. إنه لم يصنع عالماً من خياله .. إنها الحقيقة ! .. لم يكن يعلم أنه سيصبح سجيناً عندما جاء إلى هنا طلباً للعمل، لينظر له صاحب المكان ثم يقول .. " شكلك فيه حاجة غلط ! .. تشتغل في المخزن ؟ " .. لم يحاول النظر في المرآة أو التوقف عند تلك الجملة طويلاً ليس لإنه لم يفهمها ، و لكن لإنه يعرف كيف ينظر إليه هؤلاء ! .. لم يكن حاله بحاجة إلى أي سؤال أصلاً عن عمل ما ، فهو – على حد قوله – يريد " أي شغلانة .. طالما بالحلال " ! 

هناك تعليق واحد:

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.