" _ أتعلم ما هي الفترات السعيدة التي عشتها .. إنها الفترات التي كف خلالها عقلي عن النقاش ، و خلصت روحي إلى الله .. فاستكانت ، و هدأت .. يبدو أننا يجب أن نلغي عقولنا حتى نتمتع براحة الإيمان ..
قلت و أنا أشفق عليه :
_ إن الذين يضعون العقل في خدمة الروح يصلون إلى الإيمان .. و الذين يضعون الروح في خدمة العقل ، يحتارون و يتعبون ..
قال : ماذا تقصد ؟!
قلت :
_ إن الإيمان راحة للنفس ، يجب أن تسلم به قبل أن تفكر .. ثم بعد ذلك تفكر في حدود هذا الإيمان .. إن الإيمان كالدواء الذي يكتبه لك الطبيب .. و الطبيب هنا هو الله .. و أنت لا تناقش الدواء قبل أن تتناوله .. لا تسأل عن مركباته و كيفية صنعه .. و لو سألت .. تعبت ، و احترت .. إنك لست كيميائياً .. و ربما أدى بك السؤال ، إلى رفض الدواء ، و عز عليك الشفاء ..
و نظر إليّ كأنه لم يفهمني ، ثم قبض على يدي بيده الهزيلة المعروقة ، و قال و عيناه تلمعان :
_ كيف تفرق بين الحلال و الحرام ؟
قلت :
_ إن التعاليم التي نتلقاها و التي تفرق بين الحلال و الحرام وضعت لتنظيم المجتمع .. إنها كقوانين المرور .. إنهم يحتمون علينا أن نسير على اليمين ، مع أن السير على الشمال ليس مستحيلاً .. و لكننا نسمع الكلام و نسير على اليمين حتى لا يصطدم بعضنا ببعض .. إنه مجرد تنظيم لتحركات المجتمع .. أما من ناحية الفرد .. فإن كل آدمي فيه لمسة من الله تسمى الضمير .. و هذا الضمير هو الذي يفرق بين الحلال و الحرام .. الحلال هو ما لا يؤذي نفسك أو غيرك ، و الحرام هو ما يؤذيك أو يؤذي غيرك .. و الضمير هو مقياس حساس لما تسببه تصرفاتك من أذى ..
قال و هو يرتعش :
_ هناك أفراد بلا ضمير ..
قلت :
_ هؤلاء لم يعرفوا الله .. "
إحسان عبد القدوس
من مجموعة .. " حائر بين الحلال و الحرام "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.