" قرأتها فازددت صمتاً ! .. كانت تصفني ، كانت تشبهني ! .. لم أستطع تجاهلها بمجرد أن وقعت عيني عليها ! .. كانت ببساطة تختزل في حروفها عقود قضيتها ! .. ( ويل لمن لا يؤمن ) ! ، جملة استقبلتها في حسرة بعدما أدركت بها حياة اللامعنى التي كنت أعيشها ! .. و لِم لا و قد كنت أعي كل ما في ذلك العالم في شيء من الشك و القنوط ؟! .. لم أجد تلك القوى القادرة .. أو أنني لم أعترف بها في حياتي ! .. أعلم أن تلك كانت مشكلتي وحدي .. كانت مسؤوليتي ! ، و لكني أذكر أنني مررت بأيام كنت أنام فيها و لا أعلم إن كنت سأجد ما يسكت جوعي في الغد أم لا ؟!
صورة أبي في ذهني ثابتةً كحاله ! .. لم يتغير حتى يومه الأخير ! .. كان دائم السجود ، دائم المناجاة ، دائم الذكر ، لكني لم أجد أي سبب منطقي لذلك السلام الذي كان يعيشه ! .. عقلي لم يكن يدرك سوى الهموم و الشعور بعدم الأمان ، لكني لم أعلم سر ذلك الاطمئنان الذي كان يسكن إليه ! .. أخبرني يوماً أنه كلما ارتفع مؤشر إيمان المرء استطاع رؤية ذلك الغد الذي يخيفه بوضوح ! ، و كنت أنا في المقابل أحاول كتمان ما أرغب في البوح به !
لقد كنت أرى أن الله لا ينتبه إلينا ، كأنه نسينا في زحام مخلوقاته ! .. المعاناة تشتد ، الآلام تتزايد ، الاستسلام يكبر حتى صرت مجرد كائن صامت ! .. لم أكن طموحاً على الإطلاق و في نفس الوقت .. لم أكن أفكر ! .. تركت حالي للتيار .. دون اختيار أو مقاومة أو حتى وقفة تأمل قد تساعدني على الاكتشاف ! .. أما هو فكان يمعن أكثر في عبادته رغم أن حاله كان يزداد سوءاً ! .. كنت أتساءل ، كيف تكون تلك هي المكافأة الإلهية على طاعته ؟! .. حتى جاء وقت الإجابة !
كانت لحظة رحيله .. أذكر أنني أطلت النظر في وجهه قبل أن يستقر في التراب ، فقد كنت أحس أن حديثه لي لم ينته ! .. علمت ساعتها أنه كان سعيداً بما اختاره و بما لم يختره ! .. كانت المرة الأولى التي أدرك فيها شيء بقلبي ! .. راح يجيب على أسئلتي بشيء من إرادة لم ترحل بعد ! ، و لكن لِم جاء ذلك متأخراً ؟! .. لقد عشت و أنا غير مقتنع بأي شيء حتى بعدما أصبح لي عائلتي الخاصة ! .. لم أكن أؤمن بنفسي فكيف لي أن أؤمن بجزء مني .. كيف لي أن أؤمن بأبنائي ؟! .. أعلم أني آلمتهم طويلاً .. كنت مسؤولاً كافراً فلم أكن جدير بهم .. و ربما بالحياة كلها ! "
قطع صوت الأذان ذلك الصمت الهائج ! .. نهض ليتوضأ استعداداً للصلاة ، فالفرائض بالنسبة له مجرد عبادات جسدية تعود عليها .. سمعها هذه المرة بطريقة مختلفة خلف الإمام فازداد صمتاً .. لم يستطع تجاهلها فقد كانت تقصده .. " وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا " ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.