الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

حديـث صمـت !


لم أكن أتقدمهم ، لذا تساءلت عن سبب هروبهم و تراجعهم ! .. الهروب خوف ، و لكن ما سبب الخوف أصلاً ؟! .. كنت بينهم كلحن شاذ ! .. وتر ضعيف يحتضر بصوت يحمل آخر ما تبقى له من جمال قبل أن يقطع ! .. ببساطة كنت قد سئمت الخوف ! .. كنت أهرب مثلهم في الماضي القريب ظناً مني بأنها محاولة للتشبث بالحياة .. و لكني خدعت ! .. لم تكن حياة بما تحمله من تعريف فطري ! .. أستطيع أن أقول إنها كانت محاولة لمواصلة السير ! .. السير دائماً .. محبطاً ، سعيداً ، ساخطاً ، راضياً ، مفعماً بالأمل ، مهزوماً باليأس ! .. السير من دون تفكير حتى و إن فقدت العلامات التي ترشدك و الأهداف التي تعينك ! .. الغريب أنه بقدر رغبتك في التوقف بقدر عجزك عن فعل ذلك ! .. كأنه أكبر من مجرد ابتلاء ! .. كأنها لعنة !


عندما وجدتها أمامي وقفت أتأملها كأني أراها لأول مرة ! .. كانت تكبر بشكل غريب ! .. عجلاتها تحدث زلزالاً قوياً حتى ظننت أن الأرض ستنشق لا محالة ! .. ضخامة مفزعة .. لكن على الأقل ليست في نظري ! ، ألم أقل إني قد سئمت الخوف ؟! .. للحظات تذكرت الوعود التي قطعتها على نفسي .. تذكرت أمي التي أخبرتها بأني لن أتأخر الليلة كعادتي و أن تنتظرني على العشاء .. تذكرت صديقي الذي اقترب يوم زفافه و فرحته التي لن تكتمل إلا بوجود جميع من يحبهم من حوله .. تذكرتها رغم ما أحدثته في نفسي من قلق و غضب عقب أول شجار بيننا و قراري بأن أصالحها بعدما أيقنت أنه لا قبل لي بذلك الفراق اليسير .. تذكرت أسماكي التي فقدت بعضاً منها صباح ذلك اليوم و عزمي على جلب حوض أكبر و أجمل ..


كنت أتساءل دوماً عن سر تلك المخلوقات الصغيرة التي تموت فجأة ! .. الأسماك لا تتذمر ، لا تشكو .. فقط تسبح في صمت من دون أن يبدو عليها أي تعب أو غضب أو سأم أو بوادر رحيل ! .. لا يهمها المساحة التي تعيش فيها ، أو في الغالب لا تدركها .. يكفي أنها تسير .. تسير و فقط  ! .. لا أذكر تلك القفزة الأخيرة التي قمت بها كما تفعل الأسماك قبل أن تموت ، و لكني أذكر الألم جيداً ! .. كان قوياً حتى أني لم أقدر على الصراخ ، لكنه لم يدم طويلاً .. كنت قد بدأت أشعر بلذة مختلفة ، أغلب ظني أنها لذة الموت من أجل حلم خاص ! .. كنت أعلم أني مقدم على شيء جديد و مختلف ! .. شيء أشبه بالسفر ، و لكل سفر طريقه و متاعبه ! .. كنت أدرك سأم الأرض مما تتجرعه من دماء تسيل فوقها و فيها ! .. يظنون أنهم قادرون على الوقوف على جسدي و القفز فوقه .. و هذا صحيح ! .. لكنهم لا يعلمون أنهم لن يستطيعوا بلوغ ما يريدونه .. فبعض البشر أو الراحلين منهم .. كالرمال المتحركة ! 

هناك تعليق واحد:

  1. تجولت هنا
    وقرأت كثيرا
    أنتِ لسـت مشروعاً
    لكاتبة!انتِ فعلاً كاتبة
    وكاتبة متميزة أيضاً تحياتى

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.