الجمعة، 4 أكتوبر 2013

رحلة ..

عندما وقف أمام المرآة عارياً ! .. غريب .. هذه المرّة لم يترك الحُلم أثراً في جسده ! .. ما من كدمات أو ثقوب .. و لكن مهلاً ! .. إنه لم ير شيئاً هذه الليلة ! .. لم يكن يركض هرباً منهم ، لم يحاولوا اللحاق به .. لم يكن لهم وجود أصلاً ! .. يصعب عليه الآن تذكُّر ما رآه و لكن .. هناك بالتأكيد بداية أخرى ! .. مجهولة و لكنها مختلفة ! .. تلك الحقيبة الضخمة التي تبدو و كأنها تنتظره بالخارج تخبره بأن ثمّة أمر سيحدث .. لن يكتمل إلّا به !

ارتدى ملابسه و ما إن خرج من الحجرة حتى اصطدم بها مجدّداً ! .. تبدو الآن واضحة أكثر .. تفاصيلها تكبر و تتزايد ! .. كأن هناك من يرسمها أمامه و يُبرِز كل خط فيها ! .. رؤيته لها تشعره بالضيق ، بالغضب ، باليأس ، بخيبة الأمل ، ببطء الوقت .. رؤيته لها تشعره بالموت ! .. لكنه لا يمكنه التخلّي عنها .. لا يقدر على تركها أو مجرّد التظاهُر بأن ليس لها وجود ! .. تلك الحقيبة ! .. لو يسرقها أحدهُم ، لو يلتقطها أحد العابرين ظنّاً منه بأنها تخصُّه ! .. أجل ، يعلم أن ذلك لن يحدث ، لأنّه لم يحدث من قبل .. كأنها تعلن عن حالها .. أنا شئ كريه و مخيف !

ممسكاً بها .. حاملاً إيّاها وقف في منتصف الشارع ! .. هذه المرّة يرى السماء .. ليست واسعة ممتدّة ، لكنه يراها بوضوح ! .. خط أزرق جامد ، ما من شئ فيه يدل على الحياة ! .. لطالما كان بيته وسط كل هذه البنايات أشبه بنبتة لم تكتمل ! .. هؤلاء البشر يرغبون في الابتعاد عن الأرض و في الوقت نفسه يخشون الاقتراب من السماء ! .. يغلقون نوافذهم بشكلٍ دائم ، في كل الأوقات تقريباً ! .. ربّما كان ذلك من أكثر الأمور استفزازاً له على الإطلاق ! .. ودّ لو ذهب إليهم ليفتح جميع تلك الثقوب المغلقة .. لكنهم حتماً لن يفهموه .. سيصير ببساطة مجنوناً في نظرهم !

انتبه لقطّته و قد راحت تموء و هي تنظر إليه .. تسأل عن مصيرها ! .. نظر لها مبتسماً .. " بإمكانك تولّي الأمر بنفسك يا عزيزتي ، لم يعد هناك خطر " .. سرعان ما أدركت لتتركه بعدها و تختفي من المشهد بأكمله في ثوانٍ ! .. استدار ليجد جاره أمامه، يحيّيه بابتسامة واسعة على غير العادة ! .. لم يسأله هذه المرّة عن أي شئ ! .. يبدو أنه تخلّى عن فضوله ، أو أن الفضول هو من تخلّى عنه ! .. صار ودوداً فجأة بشكلٍ يثير القلق ! .. لِم يصير الناس لُطفاء في اللحظات الأخيرة ؟! .. عرض عليه أن يحمل له حقيبته حتى نهاية الشارع .. لكنه لم يقدر على ذلك ! .. تلك اللعينة ظلّت ملتصقةً بالأرض في صمتٍ و تحدٍ ! .. لم تكن محض جاذبيّة سخيفة .. لكنها بدت كصخرة سوداء عملاقة لا يهتز فيها جزيء ! 

كان يشاهد محاولات جاره ضاحكاً مندهشاً ، ثم نظر في ساعته ليحمل الحقيبة بسهولة و يمضي دون كلمة ! .. الطرقات ازدحمت ، عاد الضجيج الذي لن يهدأ ، بدأ الناس يمتصّون زفرات بعضهم البعض ، يتعثّرون لكنهم لا يسقطون أبداً ! .. أمّا هو .. فشعر للمرّة الأولى في حياته بتحرّره من أشياء عفنة ! .. أشياء كان يشعر بأنها تتساقط من جسده ، تمتزج بالهواء فيمتصّها بسهولة ! .. أجل ، كان يلتهم نفسه ، يطحنها ، يبتلعها .. لا عجب في أنه كان يغتسل في اليوم مرّات و مرّات ، رغم علمه أنها مُجرّد محاولات فاشلة ! .. توقّف عند أكثر بُقعة مزدحمة في الميدان و راح يتلفّت باحثاً عنها ، حتى بدت .. لامعة ، بيضاء من غير سوء ، قد تبدو عادية لكنه يعلم ما في الأمر جيّداً ! .. توقّفت السيّارة أمامه و فُتِح الباب ، ما إن دخل حتى أشار له السائق نحو الحقيبة ثم إلى لافتة صغيرة مُعلّقة ، نُقِش عليها : " ممنوع اصطحاب الحقائب السوداء العملاقة " .. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.