" كان قد بدأ يدرك أنه يضحك على نفسه حين يقسِّم نفسه قسمين يلعبان مع بعضهما .. و بدأ يتبيّن أنه يلعب وحده فعلاً ، و بدا حينئذ كلّ شئ ماسخاً و قبيحاً إلى درجة أنه لم يعد يصدّق أن ما تحت السرير بيت كما كان منذ دقائق مضت .. بدأ يرى أن الألواح الخشبيّة مجرّد ألواح ، و الدوّاية التي ينوي استعمالها كوابور مجرّد دوّاية ، و علبة الورنيش التي كان يستعملها حَلّة مجرّد علبة ورنيش فارغة . لم يعد ما تحت السرير بيتاً ، و لا عادت الألواح الخشبيّة حُجَر نوم و جلوس و سُفرة .
و اغتاظ سامح .. فمن دقائق قليلة و حين كانت فاتن تلعب معه كان يعتقد فعلاً أن المطبخ مطبخ ، و الصالة صالة ، و حجرة السُفرة حجرة سُفرة . لماذا حين ذهبت و أصبح وحده بدأ يرى كلّ شئ سخيفاً مختلفاً و كأن لعبة البيت لا تنفع إلّا إذا لعبها مع الست فاتن ؟
...
و كلّما تذكّر أنه لولا عناده لكانت فاتن لا تزال تلعب معه ، و كلّما تصوّر أنه قد حرم اللعب معها إلى الأبد ، تمنّى لو مرض فعلاً أو مات أو أصبح يتيماً من غير أب أو أم .
و لم يصدّق عينيه أوّل الأمر ، و لكنه كان حقيقة هناك - على آخر درجة في السُلّم - سَبَت فاتن الصغير نائماً على جنبه و الحلّة الألومنيوم ساقطة منه .. و هبط السلالم الباقية قفزاً ، و تدحّرج و عاد يقفز ، و على آخر درجة وجد فاتن هناك .. هي بعينيها جالسة و رأسها بين يديها ، و كانت تبكي و دموعها تسيل ، و سَبَتها الصغير راقد بجوارها و الحلّة قد تبعثرت منه .
و أحاطها سامح بذراعيه و احتضنها و راح يطبطب عليها بيديه الصغيرتين ، و يقبّلها في وجهها و شعرها و يقول لها و كأنه يخاطب طفلة أصغر منه بكثير و يصالحها ، و هو فرحان لأنها لم تذهب لأمّها و لا اشتكت : معلش معلش معلش ..
و جذبها برفق لينهضها ، و نهضت معه بغير حماس و دموعها لا تزال تتساقط .. دموع حقيقيّة . و أعاد الحلّة إلى السَبَت و علّقه في يدها ، و مضى يصعد بها السُلّم و ذراعه حولها ، و هي مُستكينة إليه لا تزال تدمع و جسدها ينتفض ، و لكنها لا تقاومه و لا تتوقّف عن الصعود "
يوسف إدريس
من مجموعة .. " آخر الدنيا "
تحفه بجد انا قرتها مرتين عشان اركز اتاريها غضبانه ههههههه
ردحذفجميله يا نونوس :)
حاولت أجمّعها عشان تبان صح ، و بعدين مش واخدة بالك م الصورة ولّا إيه ؟! .. ماهي غضبانة أهي .. :D
حذف