الأربعاء، 29 مايو 2013

حَبّة توت وحيدة ..

فكرة البقاء معهم للحظة أخرى كانت مستحيلة ! .. غادرت تلك الجلسة دون كلمة ! .. كلمة ! .. ما أسخف هذا الفعل ؟! .. ذلك الإدمان بتأثيره المُزيَّف ! .. الأحاديث و الاعترافات كُلّها أشياء لم تعد مجدية في نظرها ! .. أشياء لا تمنحك أكثر من مجرّد التكيّف مع مشكلاتك ، حتى تتوهّم أنك استطعت التخلُّص منها بالفعل ! .. لم يعد هناك حل آخر سوى المغادرة الفوريّة دون سلام أو حتى إشارة ! .. غادرت لأن جروحهم المكشوفة صارت تسد أنفها !

قررت إلغاء إقامتها في الفندق و العودة إليه ، عودة أخيرة و نهائيّة .. ذلك البيت القديم ! .. ربما كان عليها اللجوء إليه منذ البداية ! .. و لأوّل مرّة أدركت و فهمت ما كانت تقوله أمّها ! .. كانت إذا تأذّت من السكين تركت الجرح دون ضمّادة ، لتخبرها أن الجروح تلتئم بسهولة حين تعرّضها للهواء ! .. لذا كان أول ما فعلته هو الهروب إليه ، و إن كان عليها أن تترك جرحها مكشوفاً فليكن ذلك بتعرّضه لبيئته المناسبة .. لا بتعرّضه للبشر ! 

لا شئ هنا يحتاج للتنظيف .. لم ترد إخباره بأنها كانت تقوم بتنظيف البيت شهريّاً ، خوفاً من مناقشة ستفشل فيها و ستخرج منها على الأقل و هي مُدانة ! .. تعتقد أنه قبل انتقالهم إلى المسكن الجديد تركوا شيئاً هاماً هنا .. شئ ضد صدمات الحياة الاعتياديّة ! .. ربما تعمّد هو ألّا يحضره ، أو ربما نسوه معاً في زحام الحقائب و الصناديق ! .. ربما لكونه شيئاً غير ملموساً في الأساس فصار من الصعب العثور عليه ، أو ربما لإدراكها أنه جزء من تكوينهما ! 

أوّل ترجمة جسديّة للعشق ، أوّل هدية بثّت في قلبها فرحة فريدة ، أوّل فترة صمت مجهولة المصدر ، أوّل لحظة شك و أوّل نزاع .. كل ذلك كان يتم في دوائرٍ عبر سنوات طويلة ، رغم ذلك فلم يحدث من قبل أي ثقوب في القلب ! .. لم تجد ضرراً في عيش ذلك النمط الكلاسيكي للحياة .. لأنها في النهاية كانت حياة ! .. فقط عند انتقالهما اختلف الأمر تماماً .. كأن صار للمكان سطوة فجأة ، أو لعلّه مرض مجهول في القلب !

عبر صندوق الصور بطريقة ما أمام عينيها .. تناولته و راحت تمزّق كل صور العابرين ! .. هناك الكثير من العابرين في حياتها .. لم تعد في حاجة إليهم و لا إلى أشياء تذكّرها بهم ! .. للحظة شعرت أنها استهلكت كل ألاعيب الأحاديث و البحث عن المساعدة ، فبات عليها مواجهة الأمر بمفردها علّها تنجح في العثور على النجاة المطلوبة ! .. قبل أن تضع رأسها فوق الوسادة تأمّلت صورة والدتها لتسألها ما إن كانت تسير على الدرب الصحيح أم أن هناك شيئاً لا يزال غائباً عنها ؟! .. صمتت طويلاً تتأمّل الصورة في انتظار الجواب ، فاستنشقت بعد دقائق رائحة حبّات التوت قادمةً عبر النافذة ! .. تأمّلت الشارع للحظات فوجدتها جالسةً أسفل نافذتها قبل أن تهرع إليها راغبةً في الحصول على حبّات .. من دوائها الخاص !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.