الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

جُدران البيوت ..


لِمَ هذا البيت بالتحديد دون غيره ؟! ، لأنني شعرت فيه بنكهة المأوى ! .. إنني لم أدرك في حياتي معنى تلك الكلمة إلا هنا ! .. كنت أنتقل كثيراً من مكان إلى آخر و من بيت لآخر كأنني أعيش في فندق كبير أتنقّل بين حجراته ! .. لا أنكر أنني استطعت - رغم هجراتي تلك - تكوين صداقات عديدة في كل مكان .. كأنني كنت أزرع شجرة قبل الرحيل ! .. و لكن ماذا عن ذلك البناء الذي يحمل أغراضك ، رائحتك ، نكهات طعامك ، أوراق عملك ، صور طفولتك ؟! .. ماذا عن " البيت " ؟!

عندما انتقلت للعيش هنا أدركت أنني كنت في أحضان بيوت صمّاء ! .. هذا البيت مُختلِف .. لا أحس فيه بأنني وحدي ! .. إنني هنا بصُحبة أب و أم و أولاد .. بصُحبة عائلة ! .. الجدران تولَّت تلك المهمة و عرّفتني بهم ! .. ما بين خطوط غير مفهومة ، و رسومات صغيرة ، و كلمات مُبعثَرة .. عرفتهم و أنست إليهم ! .. لذا لم يكن أمراً غريباً بالنسبة لي عندما رفضت تغيير لون الجُدران ليبدو المنزل جديداً و برّاقاً ! .. إنني لا أجيد وضع بصماتي في البيوت ، فكل ما يهمني فقط هو ألا أكون وحيداً .. أن أشعر بالدفء حتى و لو بشكل مؤقّت !

الجُدران في عيني لوحات عملاقة تحمل سنوات طويلة و حياة ممتدة ! .. ما بين رسم لقلب صغير و جُملة طفولية : " أنا بحب ماما " ! .. ما بين خطوط غاضبة و جُملة حُب غامضة : " حياتنا مش حقيقية ، لكن بحبّها و بحبّك " ! .. ما بين أقواس نُقِشت بانزعاج شديد و جُملة كُتِبت بقوّة : " أنا بخاف إذن يبقى أنا عايش " ! .. ما بين سخرية تدعو للضحك : " أنا في الثانوية العايمة " إلى حروف قد تثير البكاء و ليس الحزن فقط : " مش هعرف أغنّي لو مشيت من هنا " إلى وجه آخر و مُختلِف تماماً لليأس : " مش مؤمِن بالمُعجِزات اللي حصلت و اللي هتحصل يبقى مش مؤمِن بربّنا " ! .. ما بين حروف و كلمات و جُدران .. أكون أنا ! .. أسمعهم ، أراهم ، أغضب منهم ، أفرح معهم .. و أضحك أيضاً .. أضحك ملء قلبي ! .. لم أشعر بالسأم يوماً و يبدو أنني لن أشعر به أبداً ، فأنا أستقبل ذلك يومياً .. كأنني أستقبله لأول مرة !

هناك تعليقان (2):

  1. عن مكان يسمى البيت.. البيت كمعنى وفلسفة ووطن مصغّر، لا كجدران.. :)
    رائع يا نهى.. أنا استمتعت :)

    ردحذف
    الردود
    1. الحمد لله إنها طلعت ف إيدي كده يا وكيل .. ^^

      حذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.