الاثنين، 16 أبريل 2012

غناء ..


يزداد أمامه الشارع طولاً و اختناقاً ! .. صار الليل صديقه منذ فترة ليست بالقريبة ! .. دخول المنزل أمر مؤلم ، لكنه حتمي ! .. كل شئ صامت ، ليس فقط بسبب رحيلها و إقامتها في المشفى و لكن لإنه هو نفسه يحاول الحفاظ على ذلك الصمت ، تاركاً الأشياء في أماكنها كما وضعتها بيديها .. حتى مواطن الإهمال التي تمتلئ بها الأركان ! .. كأنه يحاول إقناع ذاته بأنها لا تزال موجودة ، فربما يعلو صياحها في أي لحظة ، أو ربما يسمع صوت تلك الضجة التي تصدرها عند دخولها أي حجرة .. أو قد يجدها جالسةً بجانبه تتأرجح ما بين الصمت و الثرثرة !


زواجهما ! .. يعتبره الناس أكثر الأمور إثارةً للدهشة ! ، على حد قول البعض " معجزة " ! .. كانوا يتساءلون كثيراً .. " كيف لأصحاب العقول الطفولية أن يكون لديهم القدرة على تحمل أمر معقد كالزواج ؟! " .. و لكن قد يبدد التشابه في الوجع نفسه تلك الوحدة ، و يخلق حباً لا مجال فيه للنقاش أو التفكير ! .. كل منهما كان بحاجة إلى صحبة الآخر فقط كي يدرك – بعقله الطفولي – أنه ليس مختلفاً حد الإقصاء .. حد الوحدة ! .. و إن كان الزواج في عيون المحيطين بهما مسؤولية و أمر معقد ، ففي عيونهما لم يكن سوى حياة جديدة – بالرغم من ضيقها – إلا أنها أكثر رحمة من سابقتها ! .. حتى الآن لا يدري أحد ماذا يدور خلف جدران المنزل البسيط الذي يجمعهما و كيف يديران شؤونه ؟!!


يقف أمام المشفى متأملاً نوافذه الباردة ، ربما أدرك في لحظات أي نافذة ترقد هي خلفها ! .. ذلك الأمر لم يكن عسيراً عليه ، إنه دائماً ما يدرك بقلبه ! .. قدرة خاصة منحها له الخالق .. أن يعلم ما يرغب في علمه من دون تعب ! ، ربما بسبب ذلك يتمتع بحالة زهد مختلفة .. اكتفاء ذاتي بعالمه الطفولي الثابت ! .. يتسلل بجسده الضئيل عبر الطرقات كأنه مجرد ظل ! .. يعرف طريقه و لا يحتاج إلى التوقف أو التفكير أو المساعدة ، بالرغم من كونها زيارته الأولى لهذا المكان ! 


شهر ثقيل مر عليه ليعيد إليه وحدته بأثر رجعي ! .. لم يقدر على زيارتها بعدما قام شقيقها بنقلها إلى المشفى .. كان لابد من جلب المال اللازم لتسديد ما قام شقيقها بإنفاقه طوال فترة مرضها و إقامتها هنا ! .. شهر جاف امتلأ بساعات العمل القاسية المتواصلة من دون شكوى ، لم يتح الفرصة لجسده كي يرتاح حتى لا يستيقظ ذلك الألم الذي كان يحاول إخماده قدر الإمكان ! .. شهر قائظ ما بين نقل أحجار و أكوام قمامة و تنظيف و حراسة ، لكن ملمس المال في يده الخشنة كان يعينه على الاستمرار و المواصلة كي يسدد ذلك الدين ! .. كي يشعر بالفعل أنه مسؤول عنها ! .. إنه في الحقيقة لا يدرك قيمة المال ، لا يعلم سوى أنه الوسيلة لتحريرها كي تعود إليه ! .. إنه لا يدرك سوى قيمتها و فقط !


في ظهر اليوم التالي و في الموعد المخصص للزيارة ، فوجئ شقيقها بصوتها يعلو لأول مرة منذ دخولها المشفى ! .. كانت تغني ! .. أجل ، كانت تغني حتى أن جميع من يشاركونها الغرفة لم يستطيعوا النوم تلك الليلة ! .. علم أن زوجها قام بزيارتها في منتصف الليل تاركاً معها ما يكفي – و يزيد – لسداد الدين ! .. صمتت ، ثم نظرت لأخيها فأخبرته بتلقائيتها المعتادة بأن آلامها قد توقفت و لم يعد هناك حاجة لبقائها في هذا المكان البارد ! .. إنها في الحقيقة لا تدرك قيمة المال ، لا تعلم سوى أنها تحررت و أنها سوف تعود إليه ! .. إنها لا تدرك سوى قيمته هو .. هو فقط ! 

هناك 4 تعليقات:

  1. إيه الروعة دى !!!
    بجد جميلة جداً :)
    شكراً على لحظات الإستمتاع تلك عزيزتى ~

    ردحذف
    الردود
    1. ربنا يكرمك يا نيللي .. :)

      زورينا تجدي ما يمتعك إن شاء الله يعني .. :D

      حذف
  2. نهى الجميلة

    حروفك جميلة زيك بالظبط، دمت مبدعة

    ردحذف
    الردود
    1. إنتي إللي أجمل يا وفاء ، يارب تفضلي على طول كدة منوراني .. :)

      حذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.