الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

قوس قُزح ..


لم يعد يسير في خوف ، فما من شئ يملكه حتى يحقّ له الخوف على فُقدانه ! .. فقط هي زُجاجات الألوان الصغيرة التي يحملها ، و لم يعد من في هذا العالم بحاجةٍ إلى الألوان سواها ! .. إنها غير قادرة على رؤية الألوان فيما يحيط بها ، لذا فقد فضّلت العيش بين الأوراق و بقيّة أدوات الرسم ! .. حاول كثيراً أن يصدّ عنها كل حزن .. ألّا يريها سوى ما يحلمان به .. و قد فعل ، لكنّه نسى تماماً أنّه الطرف الأضعف ! .. قد يفقد المرء عمره عندما يستبدّ به الحزن .. هذا صحيح ، و لكن الأصعب من ذلك هو أن يفقد عقله ! .. حينئذ ، سيميت كلّ من حوله في كلّ يوم !

أوقفه أحد هؤلاء الغُرباء ، فلم يحاول المقاومة كعادته ! .. لم يكن من الصعب عليه تخمين ما يريد ، فاحتفظ بنظراته كما هي ! .. احتفظ بعينيه الشاردتين ، لا تنظران إلى شئ و إنّما ترغبان في الوصول إلى نهاية الطريق .. حيث تكون هي بانتظاره ! .. سرعان ما ألقى الغريب بقُبّعته بعيداً ، ثُمّ صفعه على وجهه ليذهب عنه و قد انفجر في الضحك ! .. اتّجه نحو قُبّعته في هدوء ، ثُمّ وضعها فوق رأسه كي يكمل طريقه ! .. لم يتلفّت حوله ، لم يتحسّس حتى خدّه ! .. ربّما لشعوره بأنه يُصفَع كلّ ساعة و من دون أيدي ! .. سيرهم من حوله يصفعه ، صمتهم يصفعه ، خطوات الغُرباء تصفعه .. و البدايات المُتكرّرة التي تشبه الدوائر هي أيضاً تصفعه ! .. و لكنّه سعيد ! .. فزُجاجات الألوان كما هي ، و لم يقترب منها أحد !

انتهت الطريق عند المشفى .. ذلك البيت الكبير ، مُتعدد الحُجرات و الذي يحمل أناس كُتِبَ عليهم العيش في عوالمهم الخاصة حتى النهاية ! .. هنا دبّت الروح فيه ، فانطلق مُسرعاً نحو حُجرتها ! .. الركض يمتص الحياة من جسده امتصاصاً ! .. إنه يذكّره بذلك اليوم .. طائرات ، نيران ، حُطام .. و هروب لا ينتهي ! .. كان طفلاً وقتها حينما رآها تركض بجواره عاريةً تماماً ! .. لم يكن بوسعه سوى أن يخلع عنه قميصه ليستر به و لو جُزء من جسدها الصغير ! .. كان بارعاً في لُعبة الاختباء الكبيرة التي أُجبِر على العيش فيها ! .. الغريب هو شعوره بأنه كان يبحث عن المأوى من أجلها هي فقط ! ، كأنها وحدها من تحتاج إلى الحياة ، من يجب عليها أن تستمر فيها ! .. في أوقات الهُدنة كان يضمُّها إلى صدره العاري ، و ما هي إلّا لحظات حتى يستسلمان للنوم في انتظار الموت .. أو في انتظار الغد !

استقبلته بتلك الابتسامة التي تطمئنه .. هرعت إليه بخطوات الطفلة التي عادت إلى جسدها بعد أكثر من عقدٍ كامل ! .. تناولت ما كان يحمله ، و في خلال دقائق كانت تبدأ لوحة جديدة ! .. كُلّما نظر إليها ودّ لو كان باستطاعته أن يفقد عقله حتى يصبح مثلها ، و حتى يكونا معاً في مكانٍ واحد ! .. صحيح أنها لم تعد معه طوال الوقت كما في الماضي .. لم تعد بين ذراعيه ، لكنّه راضٍ بتلك الساعات التي يقضيها معها حتى و إن بدت كأنها لا تعرفه ! .. إنه يعشقها ، و يعشق هذا المكان ، و يعشق تأمُّل العالم من نافذة حُجرتها ، حيث تبدو له السماء و هي تشبه لوحاتها إلى حدٍ كبير .. صافية في كل الأوقات ، حتى أنّها تبدو وحيدة و لكن هناك من يرافقها .. إنه قوس قُزح !

هناك 4 تعليقات:

  1. جميلة اوى تسلم ايدك يا نهى

    فيها من الوفاء والحنين والواقع اشياء


    دمت بخير
    تقبلى مرورى

    ردحذف
  2. بحب قوي طريقة سردك يا نهى


    بالتوفيق دايما

    ردحذف
    الردود
    1. آمين يا ضيا ، والله الواحد كان مفتقد تعليقاتك .. :D

      حذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.